فصل: آراء المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والتقدير: يومُ الدين يومَ هم على النار يفتنون.
والفَتْن: التعذيب والتحريق، أي يوم هم يعذبون على نار جهنم وأصل الفَتْن الاختيار.
وشاع إطلاقه على معان منها إذابة الذهب على النار في البُوتَقة لاختيار ما فيه من معدن غيرِ ذهب، ولا يذاب إلا بحرارة نار شديدة فهو هنا كناية عن الإحراق الشديد.
وجملة {ذوقوا فتنتكم} مقول قول محذوف دل عليه الخطاب، أي يقال لهم حينئذٍ، أو مقولا لهم ذوقوا فتنتكم، أي عذابكم.
والأمر في قوله: {ذوقوا} مستعمل في التنكيل.
والذوق: مستعار للإحساس القوي لأن اللسان أشد الأعضاء إحساسًا.
وإضافة فتنة إلى ضمير المخاطبين يومئذ من إضافة المصدر إلى مفعوله.
وفي الإضافة دلالة على اختصاصها لهم لأنهم استحقوها بكفرهم، ويجوز أن تكون الإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله.
والمعنى: ذوقوا جزاء فتنتكم.
قال ابن عباس: أي تكذيبكم.
ويقوم من هذا الوجه أن يجعل الكلام موجَّهًا بتذكير المخاطبين في ذلك اليوم ما كانوا يفتنون به المؤمنين من التعذيب مثل ما فتنوا بلالًا وخَبَّابًا وعَمارًا وشميسة وغيرهم، أي هذا جزاء فتنتكم.
وجعل المذوق فتنتهم إظهارًا لكونه جزاء عن فتنتهم المؤمنين ليزدادوا ندامة قال تعالى موعدًا إياهم {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} [البروج: 10].
وإطلاق اسم العمل على جزائه وارد في القرآن كثيرًا كقوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تُكذّبون} [الواقعة: 82] أي تجعلون جزاء رزق الله إياكم أنكم تُكذّبون وحدانيته.
والإشارة في قوله: {هذا الذي كنتم به تستعجلون} إلى الشيء الحاضر نصب أعينهم، وهكذا الشأن في مثله تذكير اسم الإشارة كما تقدم في قوله تعالى: {إنها بقرة لا فارض ولا بِكْر عَوَانٌ بين ذلك} في سورة البقرة (68).
ومعنى {كنتم به تستعجلون} كنتم تطلبون تعجيله فالسين والتاء للطلب، أي كنتم في الدنيا تسألون تعجيله وهو طلب يريدون به أن ذلك محال غير واقع.
وأقوالهم في هذا كثيرة حكاها القرآن كقوله: {ويقولون متى هذ الوعد إن كنتم صادقين} [الملك: 25].
والجملة استئناف في مقام التوبيخ وتعديد المجارم، كما يقال للمجرم: فعلت كذا، وهي من مقول القول. اهـ.
من الإعجاز العلمى في القرآن للدكتور زغلول النجار.
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {والسماء ذات الحبك}:

بقلم الدكتور: زغلول النجار.
يستهل ربنا تبارك وتعالى سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية، الدالة علي طلاقة قدرته، وكمال علمه، وتمام حكمته، وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب، هو وعد صادق، وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق، واقع، لا فكاك منه، ولا هروب عنه...!!!
ثم يعاود ربنا تبارك وتعالى القسم مرة أخري، في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس- بصفة عامة- وكفار قريش- بصفة خاصة- مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا، وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون، والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة، والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوي والضلال، فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض، وخالق كل شيء، ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوي أنها تقربهم الي الله زلفي، وبزعم أنها تشفع لهم عند الله تعالى، كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه الصادق الأمين، وصاحب الخلق العظيم، ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء، فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافي مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه (شرفه الله تعالى وكرمه) بالسحر، والشعوذة، وبالشعر، والكهانة، بل بالجنون، وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق- بغير شريك ولا شبيه ولا منازع- وعن التسليم لهذا الدين الخاتم، ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب، ثم الخلود في حياة أبدية قادمة، إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا...!!
وصرف الناس عن الحق إضلال لهم، وهدر لحياتهم، وإفشال لدورهم في هذه الحياة، ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله، ولذلك وصفها تبارك وتعالى بـ الإفك، وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق الي الباطل في الاعتقاد، وعن الصدق الي الكذب في المقال، وعن الجميل الي القبيح في الأفعال...!!!
ومن هنا، كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله، أي ضاع عقله منه، فأصبح فاقد العقل والمنطق.
ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني:
والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم علي النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون (الذاريات: 7- 14).
ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف، مضطرب، وحيرة بالغة، وقلق دائم، وأوهام مفزعة، وظنون مضيعة في أمر الدين- بصفة عامة- وفي أمر الآخرة- بصفة خاصة- وما تستلزمه من بعث وحساب، وجنة ونار...!!!
ومع التسليم الكامل بأن الله تعالى غني عن القسم لعباده، وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا الي أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون، واستقامة الحياة علي الأرض، أو فيهما معا يبقي السؤال: ما المقصود بالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟
وللإجابة علي ذلك، نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك:

.الحبك في اللغة العربية:

لفظة (الحبك) مستمدة من الفعل (حبك)، بمعني شد وأحكم يقال: (حبك) الأمر (يحبكه) (حبكا)، كما يقال: (أحبك) الأمر (يحبكه) (حبكا) و(إحباكا) أي شده وأحكمه.
ويقال: (حبك) النساج الثوب، أي أجاد نسجه، و(حبك) الحائك الثوب أي أجاد صنعه، وضبط أبعاده، فالأمر (المحبوك) المحكم الصنعة، وكذلك (الحبيك) و(الحبيكة) أي (المحبوك) و(المحبوكة)، قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد (أحبكته).
كذلك يقال في اللغة: (حبك) الأمر (يحبكه) (تحبيكا)، أي وثقه وشدده ويقال: (تحبك) ثوبه أي التف به وشد (الحبكة)، و(احتبك) الثوب أي (حبكه) حول جسده، و(احتبك) بالإزار أي احتزم به، و(الحبكة) هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط، و(المحبك) هو مكان شد الإزار من الجسم، و(الاحتباك) شد الإزار، و(الحبكة) والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة، والجمع (حباك) و(حبك) و(حبائك)، فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي (حبكا) و(حبائك) ومفردها (حبيكة) أو ما يطلق عليه اليوم اسم علامات النيم، ودرع الحديد لها حبك.
و(الحبيكة) وجمعها (حبائك) و(حبك) هي الطريق من خصل الشعر ونحوه، فالشعرة الجعدة تكسرها (حبك)، وفي حديث الدجال أن شعره (حبك)، وعلي ذلك يقال: فلان رأسه (حبك) أي شعر رأسه متكسر من الجعودة.
وقد جاءت لفظة (الحبك) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط، وذلك في قول الحق تبارك وتعالى:
{والسماء ذات الحبك}.
ومن الاستعراض اللغوي السابق، يتضح أن من معاني ذلك:
1- السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق.
2- السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم.
3- السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها.
4- السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها.

.آراء المفسرين:

في تفسير القسم القرآني: والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير (يرحمه الله) قول ابن عباس (رضي الله تبارك وتعالى عنهما): ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء، والحسن والاستواء، أي ذات الخلق الحسن المستوي، وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والسدي، وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين (يرحمهم الله جميعا).
كذلك أشار ابن كثير الي قول الضحاك (يرحمه الله): الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق، فذلك الحبك، والي قول أبي صالح (يرحمه الله) ان ذات الحبك أي ذات الشدة، والي قول خصيف (رحمة الله عليه) ان ذات الحبك، تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة، والي قول الحسن البصري (رضي الله عنه) أنها حبكت بالنجوم، والي قول عبدالله بن عمرو (رحمه الله): والسماء ذات الحبك، يعني السماء السابعة، ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع الي شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس (رضي الله تبارك وتعالى عنهما)، فإنها من حسنها مرتفعة، شفافة، صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات.
وذكر مخلوف (يرحمه الله) أن الله تعالى: أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب، وهي من بدائع الصنع، جمع (حبيكة)، كطريقة وزنا ومعني، أو (حباك) كمثل ومثال، و(الحبيكة) و(الحباك): الطريقة في الرمل ونحوه، ويقال: (حبك) لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني، أو ذات الخلق السوي الجيد، من قولهم (حبك) الثوب (يحبكه) (حبكا)، أجاد نسجه، وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد (احتبكته)، وجواب القسم: إنكم لفي قول مختلف.
وذكر صاحب الظلال (يرحمه الله): يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب، كتنسيق الزرد (أي الدرع) المتشابك المتداخل الحلقات...، وقد تكون هذه إحدي هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد، مجعدة تجعد الماء والرمل اذا ضربته الريح، وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة.
وذكر الصابوني (أمد الله في عمره) في شرح قول الحق سبحانه وتعالى:
والسماء ذات الحبك: أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن.

.السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي:

تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا، أن لتلك السماء من الصفات مايلي:
(أ) أنها شاسعة الاتساع، عظيمة البناء، متقنة الخلق والصنعة.
(ب) أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها.
(ج) أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها.
(د) أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها، علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها.
(أ) والسماء ذات الحبك، بمعني ذات الإحكام في الخلق يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل، وتتفاوت هذه المجرات في الشكل، وفي الحجم، وفي الكتلة، وفي سرعة الدوران حول محورها، وسرعة الجري في تباعدها عنا، وفي مراحل تطور نجومها، وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها، فمنها المجرات البيضانية، والحلزونية، وغير المنتظمة والغريبة في الشكل، ومنها المجرات القزمة (التي لا يكاد قطرها يتعدي 3200 سنة ضوئية)، ومنها المجرات العملاقة (التي يصل طول قطرها الي 750،000 سنة ضوئية)، وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا، بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون (أي مليون مليون) مرة قدر كتلة شمسنا، وتبلغ كتلة مجرتنا (الطريق اللبني) حوالي 230 بليون مرة قدر كتلة شمسنا.
وتتجمع المجرات في مجموعات محلية (LocalGroups) تضم العشرات من المجرات (Galaxies)، وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية (GalacticClusters)، التي تضم مئات الي عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات، والتي تعرف العلماء علي آلاف منها، وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم (المجموعات المحلية العظمي) (TheLocalSupergrups) التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي (GalacticSuperclusters) والتي تحوي مائة تجمع مجري، وقد حصي علماء الفلك منها 16 تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا، وترتقي التجمعات المجرية العظمي الي وحدات أعظم، تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي (ClustersofGalacticSuperclusters) الي نهاية لا يعلمها إلا الله تعالى.
أـ شدة تماسك اجزاء السماء من مرحلة الايونات الى مرحلة الذرات الى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات.
ب- مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إليه مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية، وسمكه عشر ذلك (أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها.
وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية، ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده.
وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي 150 مليونا، 100 مليون، 15 مليونا من السنين الضوئية، ووصل أطولها الي 250 مليون سنة ضوئية، وتسمي باسم الحائط العظيم (TheGreatWall).
وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة 1989 م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون، وذلك علي النحو التالي:
(1) نطاق الانفجار العظيم (نطاق كرة النار الأولي):
ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم.